الجهود الفكرية للدّكتور عمرو خليفة النّامي وخدمته للتراث الإسلامي و الإباضي
الجهود الفكرية للدّكتور
عمرو خليفة النّامي
وخدمته للتراث الإسلامي و الإباضي
(و:1358هـ- 1939م، / ت؟)
عرفت الساحة الفكرية والطلابية في العالم العربي في القرن الماضي منارات ساطعة في مسيرة الحركة العلمية والطلابية، كانت معالم هادية في خضم المعارك الفكرية فكان لحاملي راياتها أعلام متميزة من أصحاب الفكر العميق والوعي الدقيق أمثال عمرو خليفة النامي فعرف بعزيمته الفذة وروحه الثائرة وأفكاره النقدية وعقيدته الإسلامية الثابتة فأضاء بعلمه سماء الفكر والثقافة ولكن لأمد قصير ،فهو من رواد المجامع الطلابية ومتنقلا بين جامعات عديدة ، واكتسب من حياته في المهجر خبرة واسعة لايستهان بها فأصبح بذلك رائدا في الفكر والعبقرية و الإرادة والمثابرة والتضحية، إلا أن القدر المحتوم ساقه إلى غياهب السجون لتطوي به السنون وتلقي به في مصير مجهول ،بالرغم من ذلك خلد ذكراه بما جاد عليه عقله المستنير من مقالات وبحوث علمية ،طالباً بها الحق والحقيقة.
فمن هو إذن عمرو خليفة النامي وأبرز معالم فكره وجهاده؟
النشأة والبسطة التاريخية:
ولد الدكتور عمرو خليفة النامي سنة 1358ه الموافق لسنة 1939م في نالوت قرية من قرى جبل نفوسة الأشم غرب القطر الليبي،وترعرع بين أحضان أسرة كريمة محافظة على قيمها وأصالتها على قلة ذات يدها وحليتها،اختلف إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم ، وتعلم مبادئ اللغة العربية والعلوم الشرعية حيث كان مسقط رأسه في انطلاقة نهضة علمية وحركة إصلاحية ترأسها الشيخ علي يحيى معمر،فارتسمت صورة الشيخ المهيبة في ذاكرة الطفل الذي انتقل بعد ذلك إلى مدينة "غريان" الليبية حيث درس في المدرسة الإعدادية والثانوية. وكان اختلاف الفتى الذكي إلى مجالس علي يحيى معمر في التاريخ الينبوع الذي استقى منه الطموح والإرادة ،
يقول الدكتور محمد ناصر: «عاد الشيخ علي معمر متحمسا للنهضة والإصلاح، وبعث ما أذبلت الأيام من نضارة الأمجاد السالفة، وكان لا بد أن يتأثر الشاب الذكي عمرو النامي بكل ما يجري حوله ويدور من مناقشات ودروس ووعظ وإرشاد، ويتطلع إلى أن يتبوأ منـزلة مرموقة في هذه الصفوف العلمية التي تستشرف غدًا أفضل للمسلمين، ولا سيما تلك الربوع التي ران عليها الجهل والتخلف والفقر»([1]).
في سنة 1958التحق بجامعة بنغازي،وكانت له علاقات حميمية مع أساتذته الوافدين من جامعتي القاهرة الإسكندرية ،خاصة مع محمد محمد حسن ،الذي ربطته علاقة بنوة عميقة ،وكان الدكتور معجباً بذكاء النامي ونجابته وأخلاقه. «كان الدكتور محمد محمد حسين مولعا شديد الإعجاب بذكاء عمرو النامي فاهتم به وشجعه على المضي في طريق البحث والدراسة حتى أصبح يوما ما أستاذا جامعيا. وجمعت بين الأستاذ وتلميذه رابطة المنطلق والتوجه الإسلامي»([2]).
وتحققت فراسة أستاذه فواصل الطالب دراسته إلى نهاية المسار، وأحرز على المراتب الأولى التي أهَّلته ليكون ضمن بعثة علمية للدراسات العليا بمصر.
مرحلة الدراسات العليا:
وفي مصر ربطته صلات حميمة بشباب الصحوة الإسلامية، وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب.
كما كان وثيق الصلة بعلاّمة الإباضية بتلك الديار الشيخ أبي إسحاق إبراهيم اطفيش، عنه تلقى كثيرا من قيم الشهامة والاعتزاز بالأمجاد، وبالتراث الأصيل لمنهج أهل الحق والاستقامة،واطلع على كثير من المخطوطات التي شملتها مكتبة الشيخ فكان حافزا له على نشر تلك المكنونات بتعريفها للخلف وتمتين الروابط بين الأجيال .
غير أن أحداث 1965م إذ شعر بأعين الراصدين تلاحقه فاضطر للعودة إلى وطنه،وسرعان ما أعاد الكرة نحو بريطانيا بعد موافقة الجامعة الليبية ،وأمضى خمس سنوات في جامعة "كمبريدج"من1967إلى 1971 باحثا ومنقباو مستفيدا من الثقافة الإنجليزية وتوجت جهوده بالحصول على أطروحة الدكتوراه حول "دارسات عن الإباضية" كما تناول بعض كنوز التراث الإباضي ولم ينس وطنه الأم فكان يتابع أخباره وأحداثه، يعيشها بقلمه وفكره، ويساهم في إثراء الساحة بما يرسله من مقالات تنشر في الدوريات والجرائد، وكان لها صدى بالغ في الأوساط الفكرية والسياسية.
العطاء الفكري للنامي في بلاد المهجر:
ظل اليراع مؤنس النامي في أطواره العلمية وقد تعدد عطاؤه الفكري بناءاً على رؤيته الإسلامية الشاملة والمتوازنة ،فكانت أغلب اهتماماته نحو الواقع الإسلامي المؤلم،سواءاً في المجال الفكري أو الإجتماعي والإسلامي،معالجا في أعماله الصحفية وبحوثه الأكاديمية،ومتابعاته السياسية حول مايجري في العالم العربي إلاَّ أن تركيزه كان حول مايقع في وطنه الأم ليبيا،بتابع عن كثب حصاد صحفها ومفكريها ،بأسلوب نقدي ومقوم ،يستبصر الحقيقة بحيثياتها الدقيقة ،وقد نشر في بريطانيا مقالات خلال سنتي 1968/1969 في صحيفة العلم تدور حول الحضارة الغربية وموقفها من الإسلام والعالم الإسلامي،كما تناول الشعر الليبي الحديث بالنقدفي مقالات اختار لها عنانا متميزا "فصول من الجد الهازل".
الحنين إلى الوطن وظهور زمن المحن:
في صيف 1971وبعد نيله للدكتوراه رجع إلى وطنه ليشارك في بناءه ،صادعا بالحقً، غير أن الرياح تجري بما لاتشتهيه السفن،فوجد نفسه مطارَداو للمنافي والسجون مقضِّياً،وتوقع من العهد الجديد للحكم الجمهوري بعد زوال الملكية واستبدادها فخاب أمله وتبخرت أحلامه وتعاظمت آلامه. يقول الدكتور محمد ناصر: «هكذا وفي صيف 1971 حزم الأستاذ المؤمن بدينه ووطنه وأمته أمتعته متجها صوب ليبيا ليشارك في معركة البناء وليقف على منابر الكلمة الطيبة فيها صادعا بالحق، مشاركا بالقلم في ميادينه التي وفق فيها باحثا، وأستاذا جامعيا، وأديبا ناقدا، وشاعرا مبدعا، وبدل أن تفتح أمامه أبواب هذه المنابر، استقبلته ظلمات العنابر، فمن مراكز الشرطة، إلى غرفات التحقيق وزنازن السجون والمعتقلات»([3]).
بدأ تدريسه وعطاؤه التعليمي في جامعة بنغازي ثم حول إلى جامعة طرابلس ، ثم اعتقل للمرة الثانية في الحملة الواسعة سنة 1971م تحت شعار "الثورة الثقافية"واضطهد الكثير من المثقفين ،أحدهم أستاذه الشيخ علي يحي معمر ،ودامت هذه المحنة قرابة السنتين،و بعد إطلاق سراحه أُجبر على مغادرة بلاده متوجها إلى إحدى ىهذه البلدان :الولايات المتحدة الأمريكية أو اليابان أو جنوب إفريقيا فاختار الأولى وأصبح أستاذاً لتدريس اللغة العربية والفكر الإسلامي،ومالبث أن أرغم للذهاب إلى اليابان سنة 1979م وهنالك شعر بالغربة رغم ماقدمه من خدمات جلية للنوادي الطلابية وللحركة الإسلامية فعاد إلى وطنه،وقد اشترى قطيعا من الغنم يرعاه بضواحي الجبل ليسلم من محنة وفتنة أصبحت لاتطاق ،لكن لعنة السجون تلاحقه أينما حل وارتحل،وحالفه حظه العاثر ،فاعتقل من جديد في سنة 1981 ليعود إلى ظلمات العنابر واختفى عن النواظر مثلما سيظل جهاده ماثلاً حياًّ في الضمائر.
آثاره:
أولًا:مؤلفاته
- أطروحة الدكتوراه باللغة الإنجليزية تحت عنوان:"دراسات في الإباضية"STUDIES IN IBADISM "
- كتاب:"ظاهرة النفاق في إطار الموازين الإسلامية
ألفه وهو في السجن سنة1973.
- «Description of new Ibadi manuscripts from North Africa» وصف لمخطوطات إباضية جديدة (مكتشفة) من شمال إفريقيا.
- مجموعة من القصائد،لوجمعت لكونت ديوانا من بينها "همزية في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام"، ،وقصيدة نظمها في الغربة باليابان وقصيدة أخرى فيها شكاة وأناة،وقصيدة معروفة "أماه"أنشدتها الفرق الإسلامية ملحنة.
ثانيا:تحقيقاته
- "أجوبة ابن خلفون"حققه ملحقا بأطروحة الدكتوراه.
- "أجوبة علماء فزَّان: جناو ابن فتى وعبد القهار بن خلف» - المجموعة الأولى –
- «كتاب قناطر الخيرات للجيطالي - يشتمل عَلَى قنطرتي العلم والإيمان» استهلَّه الدكتور بمقدَّمة قيمة.
- «الردُّ على جميع المخالفين لأبي خزر يغلا»
- «أصول الدين لتبغورين بن عيسى الملشوطي» ملحقا بالدكتوراه.
- "العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف" لعلامة المغرب الموسوعي، أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني.
ثالثا- المقالات والمحاضرات:
- نَشرت صحيفة «العلم» الليبية ما بين 1968 و1971م عددا من المقالات النقدية لعمرو النامي، منها: «الحضارة الغربية وموقفها من الإسلام والعالم الإسلامي» و«الشعر الحديث» نماذج ليبية، اختار لها عنوان: «فصول من الجدِّ الهازل». ومقالات أخرى بعنوان: «رَمزٌ أم غمزٌ في القرآن» وفيها ردٌّ على كتابات الصادق النيهوم، ولعلَّ أبرزها وأكثرها دويا مقاله: «إلى متى يظلُّ المسيح بدون أب». ومن مقالاته المثيرة: «كلمات للثورة».
- عدَّة محاضرات في ملتقيات وطنية ودولية، منها محاضرته بملتقى الفكر الإسلامي بوارجلان، بعنوان "ملامح عن الحركة العِلمِـيَّة بوارجلان في القرن السادس الهجري". نشرت بمجلة الأصالة التي تصدرها وزارة الشؤون الدينية بالجزائر .
وفي الختام: عاش النامي وفيا لدينه، قويَّ الإيمان، لم تزعزعه الأعاصير، شغل عمره القصير بجلائل الأعمال موقنا أَنَّ ثمـَّة أمورًا ثلاثة، للهِ وحده تدبيرها، لا دخل للمرء فيها: الأعمار، والأرزاق، والنصر.
وهذه القصيدة سنورد بعضاً من أبياتها وهي مليئة بشاعرية فياضة،وأحاسيس نبيلة بعنوان "أماه":
أماه لا تجزعي فالحافظ اللـــه إنا سلكنا طريقاقد حفظنــاه
في موكب من دعاة الحق نتبعهـم على طريق الهـدى أنى وجدناه
على حفافيه يا أمـاه مرقدنــا ومن جماجمنـاترسى زوايــاه
ومن دماء الشهيد الحـر يسفحها على ضفافيه نسقـي ما غرسنــــاه
أمـاه لا تجزعي بل وابسمي فرحا فحزن قلبك ضعف لست أرضــــــاه
إنا شمخنا على الطاغوت في شمـم نحن الرجال وهميا أمُّ أشبــاه نذيقهم من سياط الصبـر محنتهم فلم يروا للذي يرجـــــون معنـاه معنــاه
لا تشعريهم أنهـم غلبــــوا أماه لا تُسمعـــــــيهـم منـــــك (أوّاه) أماه بايعت ربي واعتصمت بـه ما كنت أعرف درب الخير لولاه لولاه
أماه ذلك دربي قد أمـوت بـه فلا يسـوؤك كأس إن شربنــــــــاه
لا تجـزعي لفتى إن مـات محتسبا فالموت في الله أسمى ما تمنــــــــاه
أماه لا تجزعي فالحافـظ اللــه وهو الوكيـل لنا بالغيـب أماه
المراجع:
- أ.إبراهيم بحاز،محمد باباعمي،مصطفى باجو،مصطفى شريفي:" معجم أعلام الإباضية من القرن الأول الهجري إل العصرالحاضر" ( دار الغرب الإسلامي،بيروت) 2000 ،الجزء الثاني.
- ([1]) – د. محمد ناصر، مقدمة كتاب النامي "دراسات عن الإباضية".
المقال من إعداد الأستاذ: مهدي بن يحي جهلان، ليسانس علوم سياسية وعلاقات الدولية. جامعة الجزائر.
مساعد مسؤول العلاقات والإعلام، ومسؤول النشاط المدرسي بمؤسسة المنار للتربية و التعليم.
([1]) – د. محمد ناصر، مقدمة كتاب النامي "دراسات عن الإباضية"، ص10.
([2]) – د. محمد ناصر، مقدمة كتاب النامي "دراسات عن الإباضية"، ص11، نقلا عن: محمد الناكوع، مجلة العالم، لندن، ع 468. تاريخ 13/1/1993.
([3]) – د. محمد ناصر، مقدمة كتاب النامي "دراسات عن الإباضية"، ص15.
لا يوجد تعليقات