أبو اليقظان ابراهيم بن الحاج عيسى
أبو اليقظان إبراهيم بن الحاج عيسى، أحد رواد الصحافة العربية الجزائرية و أحد المجاهدين بالكلمة.
ولد بمدينة القرارة، جنوب الجزائر في 29 صفر 1309هـ/ 5نوفمبر 1888م، في عائلة متدينة محافظة.
افتقد أباه صغيرا، و حنت عليه أم مثلى توجهه إلى مزاحمة العلماء منذ الصغر.
تعلم مبادئ العلوم العربية و الشرعية في كتاب القرارة. و في سنة 1325هـ/1907م شد الرحال إلى (بني يزقن) حيث تتلمذ على يد قطب الأئمة الشيخ اطفيش، فكان من أبرز تلامذته و أنجبهم.
وحوالي سنة 1909م قصد بيت الله الحرام، و كان ينوي الإقامة بمصر للدراسة لدى عودته، و لكن قلة ذات اليد حالت دون أمنيته، و لو أن هذه الرحلة فتحت أمام عينيه آفاقا واسعة حيث زار الحجاز و الشام، و تركيا، و ليبيا، و تونس.
في سنة 1330هـ/1912 التحق بجامع الزيتونة بتونس طالبا، و رئيسا لأول بعثة طلابية ميزابية بتونس.
و مع بداية الحرب العالمية الأولى عاد إلى القرارة حيث فتح مدرسة على الطريقة العصرية، و ما لبث أن عاد إلى تونس سنة 1917م ليترأس البعثة مرة أخرى حتى سنة 1925م.
و في هذه الأثناء انخرط في معترك السياسة، و أصبح تلميذا وفيا للشيخ عبد العزيز الثعالبي، و عضوا في التشكيلة الفدائية السرية التي كانت تتطلع إلى تحرير المغرب الإسلامي من ربقة الاستعمار الفرنسي، فكان عضوا نشيطا في اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري، و كان في الوقت ذاته يشارك بقلمه في الصحافة بمقالاته ذات الطابع السياسي الوطني مثل (المنير)، (الصواب) التونسيتين، (المنهاج) الصادرة بمصر، التي كان يرأس تحريرها زميله و صديقه في الجهاد أبو إسحاق إبراهيم اطفيش. و كان يتطلع إلى إعلام إسلامي وطني يكون منطلقه الصراع الحضاري بين الإسلام و الصليبية الغربية.
في أكتوبر من سنة 1926 بادر إلى إنشاء أول جريدة عربية باسمه تحت عنوان (وادي ميزاب) أرادها لتكون لسان حال الفكر الإسلامي عموما و الجزائري خصوصا. و لأنه كان نسيج وحده في الأسلوب المقاوم الذي لا يهادن و لا ينافق، فإنه تجرع في سبيل سير صحافته الغصص، و تحمل المشاق المادية المرهقة، يكفي أن نعرف أن جريدته هذه كانت تحرر بالجزائر، و تطبع بتونس، ثم تعود بالقطار لتوزع في الجزائر هكذا كل أسبوع طيلة عامين و نصف لم تتخلف فيها عن الظهور قط، و كان يعاونه في طبعها زميلاه في الجهاد الوطني الشيخ محمد الثميني، و ابن الشيخ قاسم بن الحاج عيسى.
و كانت جريدة (وادي ميزاب) بداية لجهاد مرير دام ثلاث عشرة سنة، أصدر خلالها ثماني جرائد أسقطها الاستعمار الواحدة تلو الأخرى، لأنه لم يطق حرارة لهجتها، و جرأة معالجتها، و هي التالية:
· (وادي ميزاب) 119عددا، من 01/10/1926 إلى 18/01/1929م
· (ميزاب) عدد واحد، 25/01/1930م
· (المغرب) 38 عددا، من 29/05/1930 إلى 09/03/1931م
· (النور) 78 عددا، من 15/09/1931 إلى 02/05/1933م
· (البستان) 10 أعداد، من 27/04/1933 إلى 13/07/1933
· (النبراس) 6 أعداد، من 21/07/1933 إلى 22/08/1933
· (الأمة) 170 عددا، من 08/09/1933 إلى 06/06/1938
· (الفرقان) 6 أعداد، من 08/07/1938 إلى 03/08/1938
و من أبرز جهود أبي اليقظان في الميدان الثقافي الوطني، إنشاؤه المطبعة العربية التي تعد من أوائل المطابع العربية الوطنية بالجزائر العاصمة، أدت للحياة الوطنية أيادي بيضاء لا تنسى، إذ كانت تطبع بها أغلب المؤلفات العربية الوطنية، والصحف الإصلاحية، و المنشورات الثورية، و كانت إلى جانب ذلك ناديا ثقافيا، و ملتقى وطنيا لرجالات الفكر و الإعلام بالجزائر. و قلما عرفت الساحة الوطنية قبل الاستقلال منشورا وطنيا لم يكن مصدره المطبعة العربية، و قد تعرضت من أجل ذلك مرات عديدة للتفتيش البوليسي، و التغريم المالي، و الملاحقة و التهديد بالنفي، و الإغلاق، كما تعرض عيسى بن الشيخ أبي اليقظان للسجن و التعذيب شهورا لنشاط المطبعة الثوري أثناء حرب التحرير الجزائرية. و كانت تلك الإجراءات المتعسفة سببا في الشلل النصفي الذي أصيب به الشيخ في يناير من سنة 1957م.
كان أبو اليقظان عضوا بارزا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، شارك في التأسيس، و انتخب نائبا لأمين المال سنة 1934م. و ظل في نشاطه ذاك حتى سنة 1938 حين حال الاستعمار دون نشاطه الصحفي.
فلم يجد بدا من مغادرة العاصمة إلى القرارة، حيث تفرغ للتأليف و النشاط الاجتماعي و الثقافي و الديني. و في هذه المرحلة ألف العديد من الأبحاث و الدراسات في المجالات الدينية، و التاريخية، و الأدبية مما نتج عنها ما يقرب من خمسين مؤلفا ما بين مطبوع و مخطوط، نذكر منها:
· إرشاد الحائرين، تونس 1923م
· ديوان أبي اليقظان، جزءان، الطبعة الأولى 1931، الطبعة الثانية، جمعية التراث، 1988
· سليمان باشا الباروني في أطوار حياته، جزءان، أرخ فيه لحياة المجاهد الليبي ضد الاستعمار الإيطالي
· سلم الاستقامة في الفقه الإسلامي، في سبعة أجزاء لطلاب المدارس الابتدائية و الثانوية، طبع عدة مرات داخل الجزائر و خارجها
· تاريخ صحف أبي اليقظان، مخطوط
· ملحق السير، مخطوط، و هو تراجم لعلماء الإباضية بالمغرب الإسلامي مدة خمسة قرون و زيادة، ابتدأه مما انتهى إليه الشيخ أبو العباس أحمد الشماخي (ت:928م) في سيره
· نشأتي، مخطوط (و هو ترجمة لحياته)
· خلاصة تاريخ الإباضية، مخطوط
· فتح نوافذ القرآن، مكتبة الضامري للنشر و التوزيع، سلطنة عمان، 1411هـ/1991م
· الإباضية في شمال إفريقيا، مخطوط، و يتضمن حديثا مفصلا عن نشأة الإباضية و تاريخهم في شمال إفريقيا.
· عناصر الفتح من سورة الفتح، مخطوطة من إحدى عشرة صفحة، أوضح فيه أبو اليقظان أسس النصر انطلاقا من تفسيره لسورة الفتح.
· أقمار من سورة القمر، رسالة من عشر صفحات.
· أشعة النور من سورة النور، مخطوطة، تعالج مسألة الحجاب و السفور استنادا إلى سورة النور.
· أين الواقعيون، مخطوطة من عشر صفحات، تبين أوجه الشبه بين الإنسان و النخلة.
· الإنسانية بين حزب الله و حزب الشيطان، مخطوطة.
· تفسير القرآن الكريم، مخطوط، الجزء الأول من سورة الفاتحة إلى المرسلات.
· الكتاب المجيد، مخطوط، يشرح ما خص به الله المؤمنين من النعيم، و الكافرين من العذاب الأليم.
· صبر يوسف يتجلى في محنه و ألطاف الله تكمن وراءها في أطوار حياته، مخطوطة صغيرة الحجم، تعرض فيها أبو اليقظان للمحن التي واجهت يوسف عليه السلام وصبره عليها.
· أطوار التكوين و الفناء في القرآن الكريم، مخطوط.
· أضواء على بعض أمثال القرآن، مخطوط، عبارة عن رسالة، تشبه في عرضها (فتح نوافذ القرآن)
· الإسلام و نظام العشائر في "وادي ميزاب"
· نظام العزابة (متنا و نظما).
· هل للإباضية في الزمن القديم وجود في وادي سوف (بالجزائر)، كتبها أبو اليقظان إجابة على تساؤلات بعض الأدباء في الإذاعة الوطنية، حول وجود الإباضية بوادي سوف؟
· دفع شبه الباطل عن الإباضية المحقة، مخطوط كتبه أبو اليقظان بناء على تساؤلات مجلة "المصور المصرية" عن حقيقة الخوارج، فجاءت هذه الرسالة تصحح بعض الأخطاء التي ألصقت بالإباضية.
· النظام الاجتماعي بوادي ميزاب، مخطوط، فيه تفصيل عن النظام الاجتماعي بوادي ميزاب، و هيئة العزابة و صلاحياتها، و كذا نظام العشائر.
· الرد على خوامس الشبكة، مخطوط، و سبب كتابته ما كان من اشتداد الصراع بين السلطة الاستعمارية الفرنسية، و سكان وادي ميزاب حول قضية التجنيد الإجباري بوادي ميزاب.
· نظام هيئة أميسطوردان في "غرداية"، مخطوطة تحدث فيها أبو اليقظان عن دور هذه الهيئة في حماية المدينة من الأعداء
· دليل السواحين "للقرارة"، مخطوط
· مجموع الشذرات الحكمية، مخطوط
و له بحوث كثيرة في تفسير القرآن، و تاريخ الجزائر، و تراجم الأعلام و كلها مخطوطة.
هذا إضافة إلى مذكراته الخاصة التي كان يسجل بها كل شاردة و واردة منذ سنة 1917م حتى سنة 1973، و هي تعد من الوثائق المهمة.
أما شعره فيعد صورة لكفاحه المرير في ميدان الإصلاح الاجتماعي و السياسي، متوزع بين الأغراض التقليدية المعروفة من وصف، و رثاء، و استنهاض، و تهنئة، و غيرها. و هو في مستواه الفني لا يخرج عن إطار الاتجاه المحافظ التقليدي.
ظل مجاهدا جهاد الصابرين غير آبه بالشلل النصفي الذي أزمه الفراش منذ سنة 1957م، يحرر الرسائل، و يستقبل الطلاب، و يؤلف الكتب إلى أن توفاه الله، و شيع بجنازة رهيبة، و دفن بالقرارة.
لا يوجد تعليقات