لماذا لا يحبّ التلاميذ المدرسة ؟
لماذا لا يحبّ التلاميذ المدرسة ؟ -
لا يسبق إلى ذهنك –أيها القارئ- أنّ العنوان المطروح أعلاه هو عبارة عن يافطة إعلاميّة تريد جلب أكبر عدد من المشاهدات، ولا هي نظرة متشائمة من معلم بائس فقد الثقة بالدور العلمي للمدارس، كلّ ما في الأمر أن لافتة هذا المقال مقتبسة من عنوان أحد أهم الكتب الترشيديّة للعمليّة التعليميّة لصاحبه الدكتور والطبيب النفسي: (Daniel T. willingham) والّذي نرجو –بتوفيق الباري تعالى- طرح أهمّ القواعد والحقائق المثيرة التّي أثبتها الكاتب وأقرها على سبيل النّصح لأي متمدرس يوّد سيرورة مثلى لفعاليّته داخل المدرسة.
يبعث الآباء أبنائهم إلى المدارس لكي يمارسوا التفكير في القضايا العلميّة، ولكن جلّهم لا يعلم أنّ المخ غير مصمّم بالدّرجة الأولى لذلك، إذ هو بطيء في عمليّة التفكير، بدليل أنّ أبسط آلة حاسبة تستطيع التفوق على الإنسان في العمليّات الحسابيّة، وتطبيق هاتفي للعبة الشطرنج يستطيع التغلب على 99% من البشر، الإنسان ذو لياقات جسديّة أعلى بكثير من قدراته الفكريّة، فهو يمشي ويقفز ويقود شاحنته بسهولة يعجز عن مجاراتها أقوى روبوتات العالم. يقول أحد علماء النّفس البريطانيّين:
المخ غير مصمّم للتّفكير وإنما لينقذك من التفكير
ولهذا السّبب يستخدم معظم البشر ذاكرتهم في حلّ مشاكلهم، ليتخلصوا من أعباء التفكير، وإذا طلبت من أحدهم محاولة التّصرف بوعي في جميع شؤون حياته اليوميّة من أكل وشرب ومشي وكلام وردّات فعل، لوجده عملا شاقّا ومنهكا للغاية.
ولذا يقول أحد الباحثين: نحن نعمل معظم الوقت ما نفعله في معظم الوقت
ومن هنا كان أفضل طريق إلى بناء المعرفة في الأوساط البشريّة هو تفعيل الفضول في الناس، إذ به يطرح الناس الأسئلة البحثيّة ويستجدون الطرق الأصوب للوصول إلى غوامض هذا العالم إذ نحن:
فضوليّون بالفطرة ولسنا مفكّرين بالفطرة.
ومن غريب الدّراسات أنّ الإنسان إنّما يبحث ويجتهد لا لشيء إلا للحصول على الشّعور بالرّضا وحصوله على جرعات هرمون الدوبامين –هرمون السعادة-، بدليل أنّه إذا رأى مسألة ذات طريق مسدود أعرض عنها لخوفه –اللاشعوري- من الإخفاق الذي سيشعره بالاستياء بعض لحظات. والدّليل على هذا أنّ أي شخص إذا صعبت عليه مسألة علميّة ثمّ سمع الإجابة بعدها لن يشعر بتلك الفرحة التي تنتابه حين يدرك مفتاحها بنفسه، على أنه في كلتا الحالتين قد استفاد عقله شيئا جديدا.
قد يرى بعض الدارسين ظاهرة غريبة بين التلاميذ، وهي أنّ الطالب يتفوّق في مادّة الإنجليزيّة ولكنّ مردوده في اللغة الفرنسيّة جدّ ضعيف، على أنّ كلتا المادتين تحتاجان إلى الذّكاء المنطقي والقدرة على التجريد ونجاحه في الأولى يستلزم أن يتبع في الثّانية، فما سبب هذا الإخفاق؟
يرجع الأمر في حقيقته إلى ما يسمّى بــ: (المعرفة المسبقة) advance knowledge فكلما زادت الحقائق الذّهنيّة حول موضوع ما في الذهن فسوف يصبح ذا لياقة أكبر على استقبال المعلومات بشكل أسهل وذلك لتوفر دماغه على روابط أكثر في ذلك الموضوع. وبالتّبع يسهّل على الذّهن عمليّات الاستنتاج والملاحظة، وبذلك نفهم السّر في تفوق العلماء على الطّلبة، وسهولة استيعابهم للمسائل الجديد على خلاف الطّلبة الّذين تأخذ منهم وقتا. وذلك طبيعيّ لأننا نفهم الأشياء الجديدة في ضوء الأشياء الّتي نعرفها بالفعل. ولعلّ هذا الجدول قد يطرح المسألة بشكل أجلى:
عدد الحقائق في الذّاكرة |
النّسبة المئويّة لتذكر الحقائق الجديدة |
10000 |
.0010% |
10050 |
%10.05 |
10100 |
%10.10 |
10150 |
%10.15 |
وبذلك ربّما تكتشف بأنّ ألبرت أنشتاين قد جانبه الصّواب حين قال: «الخيال أهمّ من المعرفة»، لأنّ خيالنا يتشكّل على ضوء معرفتنا القبليّة ولأهمّيّة هذه المعرفة قال هنري بروكس أدامز:
التعليم هو ما يبقى للفرد بعد أن ينسى تعليمه
فمعرفة التلاميذ الضّحلة بمواضيع المواد المقرّرة يجعل استيعاب محاور الدّرس الأساسيّة ذات صعوبة بالغة لهم ويُستدلّ على ذلك بشيئين:
1- أنهم ينسون بعد انتهاء الحصّة كلّ ما قيل لهم إلا النكتة التي قالها المعلّم
2-أنهم يعيدون ألفاظ السّؤال الحرفيّة حين يقومون بإجابة الأستاذ
والحلّ الأمثل في ذلك هو الممارسة المستمرّة التي تجعل كفاءتك أكبر في الحلول، وتجنّب المراجعة وحفظ الدّقائق الأخيرة قبل الامتحان إذ ساعة واحدة في اليوم كفيلة بجعل المعلومة مخزّنة في الذاكرة الدائمة، غير أنّ هذا التكرار لا يجدي وحده إن لم يكن مصاحَبا بوعي عقلي.
وإليك هذه التجربة: الأحمر برنامج مراجعة تلميذ، مواظب والأسود لتلميذ مهمل.
الأحد |
الإثنين |
الثّلاثاء |
الأربعاء |
الخميس |
مراجعة 1سا / |
مراجعة 1سا / |
مراجعة 1سا / |
مراجعة 1سا مراجعة 4سا |
امتحان امتحان |
/ / |
/ / |
/ /
|
/ / |
امتحان امتحان |
يوضّح هذا الشّكل ما يطلق عليه العلماء المعرفيّون –تأثير تباعد الوقت في عمليّة التذكّر- فالتلميذ المهمل –والموضّح باللون الأسود- مستبعد جدّا أن يتفوق على التلميذ المواظب في الامتحان الأوّل على أنّهما درسا الساعات نفسها (4سا)، ومستحيل أن يتفوّق عليه في الثاني كذلك، لمكوث المعلومات في ذهن الأول وقتا أكبر من الثاني. ومن هنا يظهر الأثر المهمّ لطول العمليّة التعلُميّة في ترسيخ المعلومات وهذا هو الفرق بين المبتدئ والخبير، إنها الممارسة الطّويلة، فمثلا توماس إيديسون كان يقضي 100 ساعة في المعمل أسبوعيّا وينام فيه بدلا من المنزل وقد ترجم ذلك في مقولته:
العبقريّة 1% إلهام و99% اجتهاد.
بقلم الأستاذ: سليمان بن قاسم بكوش
لا يوجد تعليقات