خير الناس وشر الناس
ما معنى "كفَّ فكَّه": الفك أو الفم هو المكان الذي يخرج منه الكلام، وللأسف فإن الناس يتكلمون بالشر أكثر مما يتكلمون بالخير، ويتكلمون بما لا يفيد أضعاف ذلك. فمن يكف فكه، أي يمتنع عن الكلام فيما لا يفيد، (ومن باب أولى أن يمتنع عن الكلام فيما يضر) يكون قد عمل بالحديث الشريف الذي يقول: قلت يا رسول الله ما النجاة قال «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك».
فإمساك اللسان خصلة من خصال الخير التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع. منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ ما بين فكيه ورجليه دخل الجنة».
ولكن هل "كف الفك" يعني فقط إمساك اللسان؟ أم أن الفك يعني أيضا ذلك العضو الذي يمضغ الطعام؟ والذي يعض! والذي يبتلع الحقوق .. والذي يتمثل فيها أكثر مما يتمثل في غيره شهوة والابتلاع وأكل حقوق الناس .. ناهيك عن الشره وعدم الشبع. ألا يعد كف تلك الآلة الرهيبة خصلة من خصال الخير؟ بل خصلة من خير الخصال؟
اقرأوا معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء. والمؤمن يأكل في معي واحد». أما الآيات والأحاديث التي تنهى عن أكل حقوق الناس بالباطل، وتأمر بالإيثار وتنهى عن الأثرة فهي كثيرة لا تخفى على أحد.
كان كل ما سبق عن: "كف الفك".. فماذا عن "فك الكف"؟
فك الكف هو ببساطة كناية عن الإنفاق وعدم البخل. ونحن قد تعودنا أن نفك كفوفنا في رمضان.. فمعظمنا يخرج زكاة ماله في هذا الشهر الكريم، بالإضافة إلى زكاة الفطر، وغيرها من الصدقات التي تكون النفوس بها أجود في رمضان، ففك الكف يشمل الإنفاق في سبيل الله.. وانظروا معي إلى قول الله تبارك وتعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّىا تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ [ال عمران:92].
ولكن هل فك الكف هو إنفاق المال فقط!؟ أم أنه يتعداه إلى مد يد العون لمن يحتاجه؟ العون المادي أو البدني أو العلمي أو العون على الحق.. أو الدعوة للحق! ويشمل العمل التطوعي الذي يقصد به صاحبه وجه ربه ولا يقصد به رياءاً ولا سمعه. }وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنَ اَجْرٍ اِنَ اَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىا رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الشعراء: 109].
أما من أطلق في الناس فكه يتكلم بما يؤذيهم، ويلوك ما يصل إليه فكه من أعراضهم وأموالهم وحقوقهم، فلا شك أنه من أشر الناس. فإن أضاف إلى ذلك أن كف عنهم كفه فلا يعين محتاجاًً ولا يقيل معثراً، ولا يحمل عن كليل، فقد جمع من خصال السوء ما يكفي لأن يحط من قدره في الدنيا والآخرة.
فلنكن جميعاً ممن يكفون فكوكهم، ويفكون كفوفهم، ويحتسبون ذلك عند الله.
لا يوجد تعليقات