خصوصية المسؤولية الجزائية للطفل في التشريع الجزائري
تعد الطفولة أهم مرحلة من مراحل نمو الانسان الجسدي والفكري، اذ تبدأ هذه المرحلة بالولادة وتنتهي بسن البلوغ أين يمتلك الانسان القدرة في الاعتماد على النفس وعدم اللجوء للآخرين، وعليه يمكن أن نقول إن الطفولة هي المرحلة التي لا يميز فيها الفرد بين الصواب والخطأ، وتكمن أهمية هذه المرحلة في انها تعتبر مرحلة تأسيس لشخصية الفرد حيث أنها من الممكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على الشخص نفسه وبالتالي الطفولة هي اللبنة الأولى في تأسيس المجتمع وتمثل مستقبله فصلاحها يصلح المجتمع وفسادها يفسده.
ومن المعروف أن ظاهرة الاجرام لا تقتصر فقط على البالغين بل تمتد الى الأطفال، والذين يعتبر جنوحهم بمثابة بوابة لعالم الاجرام حيث تظهر الشخصية الإجرامية في وقت مبكر من حياة الفرد وتعززها المواقف والتجارب الإجرامية اللاحقة التي تغدوا لتصبح خبرات اجرامية.
ولأن الطفل أكثر الفئات هشاشة وعرضة للخطر، فلا بد من رعايته والاعتناء به حتى يصل إلى السن التي تمكنه من الاعتماد على نفسه في تسيير وإدارة أموره واتخاذ قرارات صائبة، ومن أجل هذا بدأ الاهتمام الدولي بالطفل من خلال ابرام عدة اتفاقيات وصياغة العديد من المواثيق الدولية التي تهتم بالطفولة والتي تهدف في مجملها إلى تكريس الضمانات الكفيلة بحماية الطفل، ووضع ترسانة من الحقوق التي ينبغي للطفل أن يحظى بها لحمايته من الإجرام، ولعل أهمها إعلان جنيف لحقوق الطفل الصادر سنة 1923 ، واتفاقية حقوق الطفل التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1989، ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 02 سبتمبر 1990، وكانت هذه الاتفاقية بمثابة المنعطف الحاسم الذي كرس حقوق الطفل وكيفية حمايتها، اذ لقيت هذه الاتفاقية ترحيبا واسعا من قبل المجتمع الدولي ومن بينها الجزائر التي كانت من أوائل الدول التي صادقت عليها وأخذت بها في تشريعاتها الجزائية الحديثة، وذلك بموجب المرسوم الرئاسي 92_461 المؤرخ في 11/12/1991 والمتضمن المصادقة على التعريفات التفسيرية وأصدرت مختلف القوانين ذات الصلة بالأطفال والمكرسة في الاتفاقيات الدولية في قوانينها الداخلية وأبرز مثال على ذلك القانون المتعلق بحماية حقوق الطفل سنة 2015 ، وقام المشرع من خلاله بالتمييز بين المجرم البالغ والطفل الجانح، وتخصيص فئة الأطفال بقواعد خاصة وتدابير جزائية الغرض منها الوقاية والإصلاح.
وطبقا للمادة الثانية من هذا القانون يعتبر طفلا كل من لم يبلغ سن 18 سنة كاملة يوم ارتكابه للوقائع المجرمة، حيث يخضع لمحاكم خاصة بالأحداث، وحسب المادة 49 من قانون العقوبات الجزائري يعد الطفل قبل بلوغه هذا السن غير مسؤول عن أفعاله مسؤولية كاملة اذ تتراوح بين الانعدام والتخفيف، ولقد قسم المشرع الجزائري سن الطفل في ذات المادة إلى مرحلتين الأولى قبل إتمام سن الثالثة عشر 13 سنة ويمر الطفل خلال هذه المرحلة بفترتين الفترة الاولى قبل سن العاشرة (10) لا تقوم فيها مسؤوليته الجزائية تماما أي أنه يكون منعدم المسؤولية.
ثم تليها فترة ما بين سن العاشرة (10) الى غاية بلوغ الثالثة عشرة سنة (13) وفيها يصبح انعدام المسؤولية الجزائية بالنسبة للطفل جزئي بحيث يفلت من العقاب ولا يعاقب جزائيا، إلا أنه يستلزم اتخاذ تدابير لإصلاحه.
وفيما يخص المرحلة الثانية والمحددة بين سن الثالثة عشر (13) والثامنة عشر (18) سنة والتي تكون فيها مسؤولية الطفل الجزائية مخففة اذ تتخذ ضده تدابير الحماية والتهذيب بالإضافة الى عقوبات مخففة مقارنة بالعقوبات الموجهة للبالغين بصفة استثنائية، والعلة من وراء هذا التقسيم يكمن في تمييز الطفل الذي يختلف ما بين الفترتين بحيث كلما كبر الطفل زاد ادراكه واتجه تمييزه نحو الكمال.
لا يوجد تعليقات