تربية وتعليم الجنين ... حقيقة أم خرافة؟
انطلاقا من هذا السؤال قام فريق بحث أردني سنة 2018م بقيادة الدكتور "يزن عبده" بدراسة هامّة جدّا، ومحور الدراسة انطلق من سعيهم لمعرفة أفكار ومعتقدات الوالدين أو الراشدين عموما حول موضوع التربية وفي أي سنّ يبدأ ذلك؟ بغرض تعديلها وتصحيحها فيما بعد.
نزلوا إلى الشارع بغرض سؤال عامّة الناس الراشدين من مربين ومربيات، فكانت الأجوبة مختلفة تماما فمنهم من قال مع بداية كلام الطفل ( أي سنتين تقريبا )، ومنهم من قال 04 سنوات والبعض الآخر أخّرها لستّ سنوات أي مع دخوله المدرسة، وللأسف لم يحصلوا على أي إجابة صحيحة، والحقيقة أن هذه الأفكار والإجابات قد تنطبق للأسف على معظم الدول العربية بنسب متفاوتة خاصة في الأسرة العاملة التي لا يلتقي فيها الوالدان إلا في فترات المساء بعد العودة من العمل، إذن فمتى تبدأ التربية؟ وهل يُعقَل أن تكون من مرحلة ما قبل الميلاد؟
والجواب عن هذا السؤال الذي ربّما يصدم البعض كما صُدم البعض من السؤال واعتبره سؤالا بديهيا أو يميل إلى السّخافة، هو أن التربية تبدأ في مرحلة الحمل وبالضّبط في الشهر الرابع بعد نفخ الرّوح وسنأتي إلى أدلة ذلك، وقد اعترض معارض وقال أن التربية تبدأ في سنّ السابعة في الإسلام، وفي الحقيقة أن الدين الإسلامي ذهب إلى أبعد من ذلك وحدّثنا عن التربية قبل الزواج أصلا وذلك بحسن اختيار الزوج لأم أبنائه وحسن اختيار الزوجة لأب أبنائها.
يمكن أن نتفق جميعا على أن الجنين ليس عضلات وأطرافا ورأسا ...الخ فقط، بل له مشاعر وجانب نفسي يستمدّه من الأم، وكيفما كانت مشاعر الأم تنعكس حتما على الجنين عن طريق المواد الكيميائية التي تفرز وتنتقل عبر الدم، ولا ننكر أن الأب يجب أن يكون حاضرا في هذا أيضا وتبدأ علاقته بالجنين منذ الشهر الرابع عن طريق السمع باعتبار أن أول حاسة تبدأ بالعمل عند الإنسان هي حاسة السمع، كأن يضع يده على بطن الأم لخمس مرّات على الأقل في اليوم ويسمّي الأشياء ( هذا بابا ، هذا كرسيّ ، هذا صوت كذا ... ) فهذا التواصل المبكّر يبني الثقة بالنفس لدى الجنين، بالإضافة إلى ترديد الآيات القرآنية يوميا من طرف الأم، كلّ هذا يساعد على خلق بيئة إيجابية تساعد الطفل على النموّ الاجتماعي فيما بعد.
وفي سياق الحديث عن دور الأب لا بُدَّ أن نذكر أن الحمل والولادة ليسا من شؤون المرأة فقط، فدور الأب رئيسي ومهم جدا بالنسبة للأم وبالتالي الجنين، فحضوره ورفقته في كل ما تمرّ به الأم من آلام ومزاج متقلب وتغيّر بيولوجي وهرموني يخفِّف عنها الكثير وشعورها بالفرح والسعادة عند دخوله المنزل ينعكس إيجابا على الجنين وينشأ واثقا بنفسه، على خلاف الرجل المتسلّط الذي يدخل البيت صارخا غاضبا، فمشاعر الخوف والحزن عند الأم كذلك تنعكس بالسّلب على الجنين، كما أن على المرأة فسح المجال للرجل ليأخذ مكانه كأب ويمارس وظيفة الأبوة وليعْلَمَ الطفل أن له قيمة ومكانة عند أبيه بالقدر نفسه عند الأم .
وقد أظهرت الدراسات أن الطفل الذي كان يُلقَّن له القرآن أو أسماء الأشياء أو يُجرى معه حوار أثناء الحمل ولا سيّما في الشهور الثلاثة الأخيرة لديه قدرة عقلية مضاعفة بثلاث مرّات للحفظ السريع لها مقارنة بالأطفال الذين يسمعونها لأول مرة، فكلّ ما سمعه في بطن أمه يسهل عليه استرجاعه بعد الميلاد، كما أن نموّه اللغوي يكون أبكر وأسرع من أقرانه الذين لم يمارس معهم أي حوار ولا أي تلقين، والغريب في الأمر أن المرأة العربية قبل الإسلام والتي نسمّيها " جاهلية " كانت تضع يدها على بطنها وتتلو على جنينها قصائد الشجاعة والقوة والمعارك لينشأ شجاعا مقداما، ما يدّل على أن الفكرة كانت موجودة من قبل على بدائيتها وأكّدها العلم في زمننا الحاضر.
وفي فكرة أخرى وربّما الكثير من الأمهات يوافقْنني أن الجنين الذي تعوّد سماع القرآن قبل النوم وفي وقت معيّن، نجده بعد ميلاده يميل إلى النوم في نفس الوقت وبنفس صوت القارئ أو حتّى صوت الأم ونلاحظ هدوءه وغفوته وهي حقيقة مجرّبة.
وفي دراسة أمريكية حديثة وُجِد أن 85% من أساليب وطرق التربية التي يسير عليها الوالدان هي تقليد لآبائهم ومحاكاة لما تَرَبَّوا عليه، بالرغم من اكتشافهم عدم فاعليتها ونجاعتها وهذا ما يفسّر تطبيق بعض المربين لأساليب تربوية قديمة، ومن الواضح للجميع أن الفترة الني نشأ عليها الوالدان في السبعينات أو الثمانينات من القرن الماضي مختلفة تماما عن الفترة الحالية من حيث التطور التكنولوجي السريع ودخول التلفاز والإنترنت البيوت بالإضافة إلى ألعاب الفيديو وبعض الأفكار الدخيلة والجديدة على المجتمع.
لا يوجد تعليقات