تأبينيّة المرحومة حسني حليمة بنت محمد
بسم الله الرحمان الرحيم.... صلاةً وسلامًا، وبعد؛
يتعاقبُ اللّيلُ و النّهار و تنقضِي الأيّام و تمرّ السّنون تَتْرَى، و تنهضُ أممٌ و تَزُول أخرى، و تبقى الحياةُ مدرسةٌ تتنوّع فيها الاختبارات وصولًا إلى الامتحان الحاسم النّهائي.
إنَّ لقاءنا المُبارك في هذا اليوم الأغرّ صبيحة الثّاني والعشرين من شهر سبتمبر ألفين و واحد وعشرين يُوافقه الخامس عشر من شهر صفر ألف و أربعمئة و ثلاثة وأربعين لهجرة النّبيّ -صلى الله عليه و سلّم- و في وقفتِنا هذهِ نجسّدُ إحدى صُور التّعبير عن العرفان و الوفَاء الكريم لفقيدةِ المتوسِّطة خاصّة و المنار قاطبة؛ الفاضلة "حسني حليمة بنت محمد "-تغمدها اللّه بواسع رحمته-.
يبقى في حياتنا أشخاص يعبُرُون في دُنيانا و يأبَون أنْ يكونَ مُرورهم رُوتينيّا، وما بِناء الإنسان و حضارته إلّا تراكم بصماتٍ و خبرات هؤلاء الأشخاص، نسأل اللّه أنْ يوفّيهم الجزاء الأوفى.لكن.....
هي الأمور كما شاهدتُها دول*** منْ سرّه زمنُ ساءته أزمانُ
وهذه الدّار لا تُبقي على أحدٍ*** ولا يَدُوم على حالٍ لها شانُ.
كم هيَ قاسية لحظات الوداع في حقّ إنسانة أقلّ ما يُمكن أن نصفها به أنّها مجاهدة ضحّت كلّ ما تملكُ من قوةٍ وصبر لأجلنا نحن، نعم لأجلنا ! لتسير سفينتنا بسلام، وما أقسى حين نتذكّر أنّ أختنا و أمّكُنّ الرّؤوم كانت تتألّم في صمتٍ ، تَكتُم سرّها خوفاً علينا من الحزن أو الإحباط أوْ التّأثّر حتّى.
يا الله كم نشعُرُ بفداحةِ الخسارةِ والفاجِعة ونحنُ نستقبلُ عامَنا الجديد هذا من دونِها ....
لم نجدْهَا فقِيلَ هذَا الفِراقُ*** و اِستجارتْ بدمْعِها الأحْداقُ
ملْءَ العُيونِ كُنتِ حَليمةُ*** ما بَالُ العُيونِ دُمُوعُها لا يُراقُ؟
لقد كانت فقيدتُنا أنموذجاً حيّاً يُحتذى به في التّفاني و الإخلاص، في التّضحية بالغالي و النّفيس لأجل خدمة طلبة العلم، كانت عمودَ مؤسَّسَتِنا -رحمها الله رحمة واسعة- أُمّا حَنونا لَكنّ بَنَاتِي الطّالبات نَاضلتْ حتّى آخر لحظاتِ الموسم الدّراسي و قد ودّعتنا و هي تَستسْمحُ و تَطلب العَفوَ و الغُفران و كأنها كانت تَشعرُ بيدِ المَنون تَدنُو منها ،كيف لا ! وقد كانَ الدّاءُ ينخَرُ جَسَدَهَا في الخفاءْ وهي تكتمُ سرّها.
يمضِي الجميعُ إلى ربّهم ولَكن لَيسوا سواءَ، فبمثلها تفتخرُ المنار وتزدهِي، و نَحسبُها عند اللّه من الصّدّيقين والشُّهداء وحسُنَ أولئك رفيقا. لقد غيّبك الموت عنّا جسدا،... لكن سيبقى ذِكرُك في قلوبنا و ستظلّين بمثالِبِكِ السّمحة و سِيرتِك الطّيّبة نِبراساً نهتدِي بهِ في دُنيا قلّ فيها نَظيرك خُلُقاً وعملاً. نامِـي أستاذتنا الفاضلة قريرة العين، فقد أدّيتِ الأمانة و نُشهِدُ اللّه على ذلك، فطُوبى لكِ يا روحاً اِختارتْ الرّحيل إلى بارئها في صمتٍ ...و لكن الأثر عميق.و للّه درّ القائلِ:
النّاسُ تفنى وفي الدّنيا شمائلُها*** تحيا مع الحيّ لا تفنى مع الحُقَبِ
إلى رحمة الله يا عزيزةً و يا أختاً و يا أمّاً أَبكى فقدُها الجُموع!. تغمّدها اللّه بواسع الرحمة و عظيم المغفرة، و ألهَمَ أهلها و ذويها جميل الصّبر و السّلوان . اللّهم أكرِمْ خَلَفَها مِن بَعدها وكُن لهمْ خير عونٍ و دليل بجودِك ومَنِّكَ يا ذا الجود و الإنعام.
بقلم الأستاذة: شوية حليمة بنت محمد الجباري
لا يوجد تعليقات