المطالعة غذاء العقل و الروح
المطالعة غذاء العقل الروح
الأستاذة حاجي سمية
سُئل "فولتير" عمّن سيقود الجنس البشري، فأجاب: "الذين يعرفون كيف يقرأون"
لو تأملنا فعلا هذا القول لوجدنا، أن المطالعة مفتاح تقدم الشعوب ورقيها، مفتاح يفتح آفاقا لا حدود، يفتح أبواب التفكير والمعرفة، ووضع الخطط، والأهداف، هي جواز سفر عابر لكل الأزمنة الماضية السحيقة، وحتى لكل البلدان، تسمح لنا بالاطلاع على ثقافات شعوبهم، وعلى تاريخهم، وحتى على مفكريهم، ومبدعيهم، وعلمائهم، ننظر وننهل من طرائقهم للمعرفة والبحث والقراءة.
تتيح المطالعة للمتعلم، تعلم اللغة واكتساب رصيد هائل من المفردات الجديدة، تجعل ذهنه دائم التحديث والشغف إلى البحث، وتعلّم أيضا الكتابة وتساعد على الانتاج الأدبي إما شعرا أو نثرا، وتفجر الطاقات الكامنة في مجالات العلوم والفيزياء إلى الاختراع والابتكار والمضيّ قدما، إذا هي صانعة إنسان المستقبل المثقف المنتج الذكي القادر على حل مشكلات العالم.
المطالعة ثقافة يجب أن ترسخ في أذهان متعلمينا، وتدخل في نظام حياتنا اليومية، كما كانت موجودة سابقا في فترة من الفترات المزدهرة في الجزائر خاصة مجال التعليم... اذكر وأتذكر جيدا كلام جدي عندما سألني عن تخصصي الجامعي، قلت الأدب العربي، قال لي: إن لم تطلعي وتفهمي شرح المعلقات للزوزني والأدب العالمي والعربي كنجيب محفوظ واحسان عبد القدوس، فأنت لا ولن تستطيعي أن تدرسي ولا حتى أن تكملي تخصصك، فالذي لا يطالع هو جاهل، بقي قوله عالقا ومحفورا في جوانب ذاكرتي، وحفزني في نفس الوقت على المطالعة، وما أظل أذكره كلام أمي عن المكتبة الصيفية المطبقة في ابتدائيتها ومتوسطتها، لتشجيع التلاميذ على المطالعة، بحيث يسمح للتلاميذ باستعارة كتب، وروايات تقرأ ، ويتناوب عليها التلاميذ، ويطلب منهم كتابة تقرير أو بطاقة قراءة عما قرأه، وفي نهاية عطلة فصل الصيف، يكون التلميذ قد اكتسب قدرا من المعلومات وأسلوبا خاصا به، فما أحوجنا اليوم لمثل هذه الأنظمة في مناهجنا الدراسية.
إننا نعيش اليوم في فراغ روحي وضياع للوقت وحتى عزوف كلي إلى طلب العلم، فتلميذ اليوم يدرس مكرها، ويقوم بحل واجباته تحت ضغط أستاذه وحتى الآباء في كثير من الأحيان، فكيف إن زدنا وأدخلنا المطالعة في جدول يومياته، هي مسألة صعبة أكيد، ولكن، ماذا لو نحاول، ولابأس أن نستمر، في ترسيخ هذه الثقافة في عقول أطفالنا، وتحبيب تلاميذنا إليها قبل النوم لقراءة قصة ذات مغزى وعبرة، تترك لهم أحلاما سعيدة يستيقظون بها إلى غد أفضل، نشطون ومستعدون لأخذ العلم، أو نخلق لهم قاعات للمطالعة، مزينة تزيينا رائعا، تفتح لهم شهية الاقبال عليها، أو إجراء مسابقات شهرية لقراءة مجموعة من الكتب، يتم تلخيصها، ثم تقدم لهم جائزة تحفيزية عرفانا على مجهوداتهم.
لقد سبقتنا دول من العالم العربي إلى هذه التجربة الرائعة، دولة الامارات، كان حاكمها هو المشرف نفسه، وذلك بإقامة مسابقة "تحدي القراءة"، ثم تشجيع باقي الدول العربية للمشاركة فيه، وربح جوائز قيمة، تساهم في الابداع، ثم تجربة "نجوم العالم" وذلك بتبني تجارب الطلاب الأذكياء، في مجالات مختلفة كالطب والكيمياء والهندسة وغيرها من العلوم، من دول عربية مختلفة، لمدة من الأشهر المعلومة، وفتح مخابر خاصة للعمل اليومي والبحث والانتاج، ويتم بعد ذلك إجراء تصفيات لاختيار الافضل، وأخيرا تمويل مشروعه الناجح وإطلاقه في العالم، إن المطالعة فعلا طريق التقدم والازدهار، تجعل رؤيتنا للأشياء أكثر اتساعا، نواكب التقدم العلمي اليوم في مجالاته، ونسابق البلدان المتقدمة، التي عرفت أن الاهمال والخلود في اللاشيء أو الجهل إراحة للعقل من التفكير، فدون المطالعة سوف يؤدي إلى الضمور طبقا لسنة الله في الأحياء، فالعضو الذي لا يستعمل يضمر أي يموت، وسوف يدخل ذلك صاحبه إلى الكهف ليشارك أهله نومهم العميق، وما إن يصحو يجرّر أذيال الخيبة والتقهقر إلى ظلمات التخلف.
لا عذر لنا اليوم نحن العازفون عن المطالعة والقراءة ،وإلا فاتنا ركب القارئين، فقد كانت حواجز الأولين من السلف والأجداد قاسية وصعبة في شتى بقاع العالم، تكلف الكثير من المال، كتب نادرة تنسح بالأيدي، لكنهم حجوا إليها يبحثون عنها في كل مكان، لقد طبقوا هذا السلوك "طلب العلم"، إيمانا منهم أن العلم فريضة وأنّ إهماله جهل، ثم ألفوا وأبدعوا، فتركوا لنا أفكارهم، وموضوعاتهم، مصفوفة على رفوف المكتبات، لا تجد من يتصفحها، ويقرأها تتلألأ كالبستان، يضم أنواع الزهور لنقطف ما يحلو لنا. قال أحد الحكماء: "إن الذين يقرأون فقط، هم الأحرار، ذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما ألد أعداد النجاح" ... فلنتفكر.
لا يوجد تعليقات