ذكرى الشيخ عبد الرحمن بكلِّي «البِكرِي»
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم رفع العلم وأهله درجات وقربهم إلى مقام الملائكة الكرام والصلاة والسلام على معلم البشرية صلى الله عليه وسلم:
أما بعد: فإني أحييكم جميعا بتحية الإسلام فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أقف بين أيديكم الآن لأتكلم عن طود شامخ وقامة باسقة وعلم عظيم من أعلام الأمة الإسلامية كلها وقد مرت علينا ذكرى وفاته يوم 13 جانفي من عام 1986.
شيخ تعلم العلم من مختلف الشيوخ والأماكن ثم جاهد بالتعليم وبتأسيس جمعيات الإصلاح والتعليم في المجتمع إبان فترة الاستدمار ثم جاهد ضد المستدمر الغاصب وبعد الاستقلال جاهد في تعليم الشعب الجزائري وترسيخ قيم الإسلام فيه بعد أن سعى المستدمر لمحوها، شيخ سافر من بلدته ليستقر في بلدة أخرى فيجدد فيها العلم والإصلاح، وأسس ندوة فقهية عظيمة يحضرها كبار الفقهاء والمفتين، تبث فيها مختلف البحوث في المسائل والنوازل الفقهية، كتب الله لها القبول فاستمرت لعقود طويلة إلى اليوم بحمد الله.
إنكم تتساءلون جميعا من هو هذا؟ إنه الشيخ العلامة عبد الرحمن بن عمر بن عيسى، بكلِّي الشهير بـ«البِكرِي» نسبة إلى أبي بكر الصديق الذي ينهي نسبه إليه.
ولد بالعطف يوم الخميس 3 أكتوبر 1901م، تعلَّم القرآن ومبادئ التوحيد بمحضرة المسجد العتيق بالعطف، وأخذ مبادئ اللغة الفرنسية بالمدرسة الرسمية بها، وحفظ القرآن الكريم واستظهره في مقتبل العمر، ودخل حلقة إروان، ودرس علوم اللغة والشريعة في مسقط رأسه، ثمَّ انتقل إلى عاصمة الجزائر للاستزادة من اللغة الفرنسية؛ وانتقل إلى تونس في أواخر سنة 1922م، ودرس في جامع الزيتونة، وأخذ العلوم العصرية في المدرسة الخلدونية، ولَمَّا أنهى دراسته بالزيتونة عاد إلى مسقط رأسه، وعند تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931م حضر الجلسة التأسيسية، وعيِّن عضواً في لجنة صياغة قانونها الأساسي، وفي شهر ماي 1934م عيِّن عضوا في حلقة العزَّابة بالعطف.
عند اشتداد الأزمة الاقتصادية ذهب ليعين والده في تجارته، ولكنَّه كان دوما موصولا بالحياة الفكرية والثقافية والسياسية، فكان نعم المعين للشيخ أبي اليقظان في نضاله الصحفي، سيما ما يتعلَّق بتعريب المهمِّ من المقالات التي تصدر في الصحف الفرنسية بالجزائر وبفرنسا لتضلُّعه في اللسانين؛ وقد نشرت له العديد من المقالات.
وفي سنة 1939م ترك ميدان التجارة نهائيا وانتقل إلى بريان، ليتفرَّغ للتعليم، فأدار مدرستها إدارة حازمة، ثمَّ عيِّن واعظا ومرشدا في مسجدها، فعضوا في حلقة عزَّابة بريان، ثمَّ رئيسا للحلقة، وفي 1945م شارك جماعة الإصلاح بالعطف في تأسيس جمعية النهضة، وعيِّن رئيسا شرفيا لها، ثمَّ أسَّس بمشاركة إخوانه في بريان جمعية الفتح للإشراف على الحركة العلمية بها.
وعند اندلاع الثورة التحريرية شارك مشاركة فعَّالة في العمل السياسي والتنظيمي، وسجن عدَّة شهور عام 1957م، واستمرَّ جهاده بعد إطلاق سراحه إلى يوم الاستقلال 1962م.
وفي سنة 1966م عيِّن عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى، وتولَّى رئاسة مجلس عمِّي سعيد بعد الشيخ بيوض، وفي السبعينيات نظَّم ندوة في منزله، يحضرها نخبة من الأساتذة والمرشدين، استمرَّت إلى آخر يوم في حياته، ولا تزال تعقد هذه الندوات إلى يومنا هذا، وذلك بمسجد بريان، وتعرف بـ: ندوة الإربعاء، أو ندوة الشيخ عبد الرحمن.
وله أعمال كثيرة منها: تحقيق «كتاب النيل» للثميني، و«قواعد الإسلام» للجيطالي، وله فتاوى في جزءين طبعت بعنوان: «فتاوى البكري».
وقد تخرَّج على يده نخبة من أبناء بريان، توجَّهوا إلى معهد الحياة، وإلى البعثة العلمية بتونس، وإلى مختلف المعاهد الجزائرية بعد الاستقلال، وهم يعمرون مختلف المراكز في عموم القطر الجزائري، وترك مكتبة ثرية بالمخطوطات والمطبوعات النفيسة، وهي حاليا في مسقط رأسه.
وافته المنية في بريان إثر مرض خفيف انتابه، وشيِّعت جنازته يوم الإربعاء 5 جمادى الأولى 1406هـ/15 جانفي 1986م، شهدها جمهور غفير من مختلف أنحاء القطر. ورثاه الخطباء والشعراء.
رحم الله الشيخ عبد الرحمن رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأخرج من تلاميذه وأبناءه من يخلفه.
لا يوجد تعليقات