اللباقة والجانب العاطفي في حياة الرسول (ص)
اللباقة واللطافة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
أ/ حاجي سمية بنت مصطفى
يعتبر مولده صلى الله عليه وسلم ، معجزة غيرت مجرى التاريخ وبدلت وجه حياة البشر في شتى المعمورة، فكانت بعثته النور المبين لمجتمع يعيش في ظلام وظلال يدور في فلك سديم لا يرى منه باب للهداية أبدا، إنه الحدث الذي خص به الله عباده ليهديهم إلى الحق ويخرجهم من الظلمات إلى النور، محملا بمعجزة القرآن
هو يوم مميز ، إنه يوم الاثنين من عام الفيل، أين شهدت فيه مكة عزم الطاغية أبرهة الأشرم على هدم الكعبة، وهو اليوم الذي حمى الله فيه بيته فأرسل الطير الأبابيل للمعتدين،، إنه اليوم الذي وضع فيه الحجر الأسود، وهو اليوم الذي بعث فيه، وهو اليوم الذي فيه أنزل عليه القرآن ، وهو اليوم الذي هاجر فيه إلى المدينة، وهو اليوم الذي دخل فيه إلى المدينة، وهو الذي اليوم الذي التحق فيه بالرفيق الأعلى .
إنه المولود الذي قدمه الله على جميع الأنبياء لقوله تعالى: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسلميان وآتينا داوود زبورا"، إنه المحمود محمد والذي جاءنا لنسعد ...لا لنشقى، الحامل برسالة الخير والجمال والحق للدنيا جميعا، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: " لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد المحمود في الأرض والسماء، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد"، إنه إمام الأنبياء والرّسل في ليلة الاسراء والمعراج وهو دليل على التفضيل والتخصيص.
عاش يتيما فكفله جده ثم عمه فصار شابا قادرا على تحمل الصعاب ، فرعى الغنم وتاجر بمال السيدة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد حتى جاء الأمر الإلهي ليبلغه الرّسالة الرّبانية ، إنها حياة عجيبة ، حياة تحمل في طياتها الدروس والعبر، الحياة التي تعلمنا الأخلاق وحسن المعاملة والتدبير والتخطيط نحو مستقبل أفضل، ففي كل لحظة وموقف، مغزى وقيمة تتجاوز حدود الزمان المكان، لا تنتهي صلاحيتها لكثرتها ، اخترت منها اللطافة واللباقة في تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأهل والصحابة والناس أجمعين، لأنه اللطيف وحامل لواء الحمد يوم القيامة، واللطافة في معناها هي الرفق وحسن السؤال وحب الخير للناس وإبعادهم عن المعصية، أما اللباقة من الظرافة وحسن التّصرّف مع الغير في إدارة الحوار والمعاشرة، أي القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين وأفكارهم والتجاوب معهم لتسهيل عميلة التواصل، وبمعنى أدق هي الحكمة في إظهار المعرفة في النقاش البعيد عن الاستغلال.
اجتمعت هاتين الصّفتين في شخصه صلى الله عليه وسلم ،وترجمت من خلال مواقفه الكثيرة، بين الصحابة، وخلال معاركه وغزواته، وحتى مع أعدائه، والناظر والمتفحص لهذه السيرة الجميلة، يثبت مدى صفاء القلب ورقة التعامل واللين في القول والفعل، فهي لطفه مع عمه أبا لهب وصبره على سخرية قريش وعدم الانتقام منهم، وتعففه عن فعل المنكر والشر بالعدو، وهي حسن التعليم للأخلاق والنصوص الشرعية والقوانين الإلهية التي نص بها القرآن الكريم مع الصحابة الكرام ، وهي نموذج الرجل المسؤول والراعي لزوجاته، فبقي ساهرا يخيط طوق السيدة عائشة ليربت على كتفها ويسعدها بعد حزنها، إنه الصديق المرافق في المحن والشدائد للسيدة خديجة، والأب الحنون والعطوف لبناته.
هي الحنكة إذا في تسيير الأمور ، والتواضع في أخذ الرأي والمشورة في صغائر الأمور وأعظمها، وهي العفو يوم فتح مكة وهدم الأصنام ورفع راية الحق فقد قال حينها : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
هو الكريم ابن الكريم. إنه فن في التعامل مع الآخرين ومشاعرهم ،ومراعاة أحوالهم وطبائعهم ، وإعطاء كل واحد حقه، وإنزاله منزلته حسب المقام والفئة العمرية، كالعفو عن زلاتهم وعدم تتبع عيوبهم ، والتسامح لأجل راحة الروح وعدم إثقالها بسفاسف الأمور والارتقاء بها إلى الصفاء والخلق الحسن الكامل.
والسؤال هنا : كيف يكون التعامل مع الآخرين ؟ .. خاصة كيفية إدارة وتعامل الأستاذ مع تلاميذه داخل الصف؟ .
فالمعلم هو الذي ينقل الجمال ويتقاسم المعارف ويوجه الطاقات ويصقل المواهب، لكن بطريقة لطيفة ولبقة تسمح بكسر جليد الجدية وحتى السلطة القريبة من الجبروت والطغيان، هي تعبيد لطريق الخير والمعرفة السريعة وخلق جو ممتع أثناء سير العملية التعلمّية، بصوت هادئ ومنخفض يجذب ويشد انتباههم. وهي أيضا مراعاة مستويات فهم التلاميذ وذلك بتبسيط الأمثلة وتقريبها لواقع المتعلم، وحتى تمثيلها في مشاهد مسرحية أو نكت وطرائف خلال زمن مراحل بناء الدرس وترسيخ المعلومة، كأن يثني الأستاذ على محاولة التلميذ الخاطئة بالإطراء والتشجيع أمام الزملاء، كما يمكن أيضا استعمال الهدايا الرمزية في العمل الجماعي بين الأفواج ما يزيد في التحفيز ودفع الملل، وتكليف التلاميذ وتعويدهم القراءة الجهرية أثناء المطالعة الصباحية التي تعلمهم الخطابة وتساعدهم على تحمل المسؤولية وإبراز المهارات المتفاوتة بين التلاميذ، كذلك على الأستاذ الوقوف والمرافقة للحالات الخاصة في الكتابة والكلام وحتى الفهم ، كأن يرسم أشكالا وخرائط ذهنية مبسطة تتيح للقارئ فرصة النجاح دون عناء الحفظ وحتى التركيز داخل القسم وعدم الانشغال بأشياء تافهة بين التلاميذ.
يعتبر الأستاذ العصا السحرية التي تحول الأمور البسيطة إلى أشياء ساحرة مدهشة، يحمل في كيسه العجيب آليات وطرائق فنية مميزة تحبب التلميذ للمادة وتعينه على الاستيعاب.
لا يوجد تعليقات