الإسراء والمعراج في بناء التعلّمات
الاسراء والمعراج في بناء التعلّمات
بقلم: أ/ حاجي سمية بنت مصطفى
كلنا نعرف أنّ الإسراء والمعراج رحلة روحية مقدسّة، لا تسعنا الصفحات ولا تكفينا الكلمات لملء السطور ووصف عظمتها وما فيها من أسرار ومعان وحكم مستفادة. كانت الرحلة بمثابة الهديّة أو لقاء الشوق المنتظر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في عام ليس بالعادي، فيه فقد النبي (ص) أعز من عنده، عمه وزوجته، فسمّي بـ"عام الحزن".
وفي ليلة من ليالي رجب المعظّم، أسري به رفقة ملك الوحي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أين صلى بالأنبياء إماما ثم عرج به إلى السّماوات السّبع حتى سدرة المنتهى، رأى الجنة والنار، و آيات ربّه الكبرى ،وفهم المعاني والمقاصد ورسائل المولى عز وجل إليه.
في هذه الليلة المميّزة فرضت شعيرة دينية وطقس تعبدي روحاني هي "الصلاة" وقيل أنها فرضت في هذه الليلة لأن الروح تعرج إلى بارئها في اليوم خمس مرات وهو عدد الصلوات التي يؤديها المسلم في اليوم نفسه، يوثق صلته بربه. إنّها الحبل المتين الذي يمكنه من مناجاة ربه ويتقرب إليه في لحظات معينة، تنفصل فيها روحه لدقائق لتتصل بالخالق مباشرة.
إنّها فعلا أفعال مخصوصة وعملية بسيطة يقوم بها المسلم كل يوم في وقت معيّن، ولكن مضمونها يتجاوز الكون إلى ما وراءه، حيث تسمو الروح في الرحلة ثم يكون لقاء خاص يفرغ فيه ذنوبه ثم يشحن بطاقة الطهر والنقاء لديه فتبدو خالية نظيفة إيجابية تدفعه للعمل والاستمرار، تعلمه وتهديه إلى الصّراط المستقيم، ترشده إلى تحمل المشاق والصبر على البلاء والمحن والتدبير والتسيير وحسن القول وسداد الرأي، وأنّ الإنسان في هذا الكون ليس وحيدا بل هناك شيء أعظم منه ، وقدرة لا تُتصوّر تدبر له مقاليد أموره بألطف الأقدار.
للإسراء والمعراج وقفات كثيرة في حياتنا شبيهة بمراحل عمر الانسان، كل مرحلة ومميزاتها ودروسها وهداياها أو الجزاء الذي ننتظره بعد عمل وجهد مبذول، كذلك لو أسقطناها على العملية التربوية التي يصبح فيها التطبيق داخل القسم ممكنا ، ومن دونها لا يحدث التوازن وخاصة في مراحل عملية بناء الدرس، حيث لابد على الأستاذ من أن يمضي وفق مخطط وتحضير مسبق يبدأ بــ"وضعية انطلاق" تكون تهيئة لذهن التلميذ واستفزازا لطاقاته الدفينة، هي المرحلة المقبلة الرئيسية التي تثير وتفتح شهية الطالب لاستقبال وتذوق بقية الأطباق. كما يستحسن أن يستعمل طرائق خاصة كالألغاز مثلا أو لعبة أو فيديو أو صورا أو حتى طرح إشكالات ممهّدة لعنوان الدرس أو النص أو المعادلة أو غيرها من الموارد المعرفيّة ثم يسري به إلى المرحلة الثانية وتسمى "وضعية بناء التعلّمات" والتي تعتبر لبّا للموضوع ، وفيها يعرج وينتقل في المناقشة والتحليل وطرح الأسئلة، أخذا وردّا للتلميذ، دافعا القوة الساكنة إلى التحرك ورد الفعل، ناقلا معارفه المنشودة تدريجيا، ويفضل استعمال الأمثلة أو تمارين لاستخراج المعلومات من فم التلميذ بطريقة تربوية بيداغوجية مدروسة،كأن يحدد الأسئلة الكلية ثم الجزئية، وفي هذه المرحلة أيضا على الأستاذ أن يتبعه بتطبيق يستهدف الفئة التي لمّا تستوعب الدرس، لتكون العملية سلسة كي لا يشعر بالملل وكذا للعقل الذي عليه أن يكون مرسلا وليس مستقبلا فقط. كما يمكن للأستاذ أن يوظف رسومات أو حتى مسابقة داخل القسم لإعطاء جو المنافسة ،أو بحث يعرضه تلميذ على السبورة فلا يكون للأستاذ دخل فقط للتوجيه والتصحيح، ويمكن للأستاذ هنا أن يستهدف عدة عصافير بحجر واحد ، كأن يبني شبكة عنكبوتية من دروس سابقة يربطها باللاحقة فيحقق الكفاءات العرضية واللولبية مع بعضها البعض ممّا يجعل التلميذ حاضر الذهن ،ملمًّا بجميع الموارد فتصبح كالسلسلة أو الحلقة المترابطة مع بعضها البعض، ويتهيأ لاستقبال أسئلة التلاميذ ويوجهها كما يوجه الرّبان السّفينة نحو البناء الصحيح، لينهي العمل بوضعية الختام وهي الفاكهة التي تستثمر المخرجات السابقة، وتكون بمثابة الفرض الأخير للأستاذ التي تمكّنه من النجاح في سيرورة عملية المعراج بين التعلّمات.
إنّ مخطط بناء التعلّمات وتحضير المذكرة، يتطلب جهدا وصبرا ومهارة وذكاء وتخطيطا محكما لا يكون عشوائيا بل منتقى بعناية لتحقيق الكفاءات المستهدفة من الدرس.
وبناءً على ما سبق نجد أن مفهوم الرّحلة الرّوحية للنّبي صلى الله عليه وسلم (الإسراء والمعراج) تجاوز السّير ليلا. والصعود إلى السّماء إلى مفهوم أعمق وهو العمل والجدّ والاجتهاد لنيل المقاصد في الدّارين .
لا يوجد تعليقات