الشيخ لعلي صالح بن عمر بن داود رحمه الله
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله والطيبين ورضي الله عن أصحابه المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
نستمر بإذن الله في حلقات برنامج ذكرى المشايخ، فنتحدث اليوم عن شيخ كف بصره ولكن رزقه الله بصيرة نافذة وقلبا متقدا، فأنار الدروب رغم عاهته، وأوضح السبل رغم ضعف جسده، شهق في الدنيا وزفر أقل من 60 عاما ولكنه عاش أكثر من ذلك، ووصل ذكره إلى الآفاق البعيدة، وما زال طلاب العلم إلى اليوم وبعد وفاته بأزيد من 90 عاما يستفيدون من متنه في العقيدة والفقه الذي لقي القبول بين الطلبة والمعلمين والمدارس وشرحه شيخ مشرقي، والمتن هو: «خلاصة المراقي إلى مبادئ طاعة الخلاَّق» ، فقد شرحه شيخ لا بد أن متشوقون بعد هذه المقدمة القصيرة في حقه إلى معرفته إنه الشيخ العالم التقي الورع: لَعْلي صالح بن عمر بن داود.
من أجلَّة علماء بني يزجن بميزاب، نشأ محبًّا للعلم وأهله، ابتلاه الله بمرض الجدري في الخامسة من عمره فأصيب بالعمى.
اهتمَّت به أسرته فحفظ القرآن وهو ابن تسع سنوات، وتلقَّى العلوم عند بعض قرابته حتى ختم مشوار تعلُّمه بمعهد قطب الأيمَّة الشيخ اطفيَّش.
وكان دائم الاستزادة من العلم، فسافر إلى تونس - على علَّته - مرَّتين واجتمع بعلمائها وحضر دروسهم في الزيتونة، كما حضر دروسًا في جامع الأزهر بالقاهرة عند مروره بها في طريقه إلى الحجِّ، وحجَّ مرَّتين، وكان في كلِّ مرَّة يجتمع بعلماء الحجاز، وأقام في الحجَّة الثانية عامًا كاملاً أمضاه في القراءة ومجالسة العلماء.
جلس للتعليم والتوجيه وهو في سنٍّ مبكِّرة، ولمَّا توفِّي شيخه ازبار خلفه في معهده قبل ذهابه إلى معهد القطب. وخلف القطب في الميدان بعد رحيله، فهو من العلماء البارزين الذين أثَّروا في النهضة العلميَّة الحديثة.
أنشأ معهدًا له عام 1889م، كما تولَّى التدريس في دار التلاميذ «إيرْوانْ» بمسجد بني يسجن، فضلاً عن مهمَّة الوعظ والإرشاد التي تولاَّها ابتداءً من سنة 1916م.
أسندت إليه مشيخة العزَّابة ببني يزجن عام 1917م وعمل على تطهير المجتمع من العادات السيِّئة، واجتثاث البدع والخرافات، ونظَّم مختلف مصالح أوقاف مسجد بني يزجن.
وفي عام 1927م أنشأ أوَّل مدرسة نظاميَّة تابعة للمسجد، قبل تأسيس المدرسة الجابريَّة.
ومن معالم نبوغه: ذاكرته القويَّة، وحفظه الجيِّد لكتاب الله العزيز، فقد كان عليمًا بالفاء والواو فيه، وإليه يرجع القرَّاء إذا اختلفوا. وشهد له بعض علماء المشرق بالنبوغ.
كان مهتمًّا بجمع الكتب وتأليفها، إذ يوجد بمكتبته - التي لا تزال قائمة إلى اليوم - نحو ألفي كتاب بين مطبوع ومخطوط.
من بين مؤلَّفاته الكثيرة نذكر: «القول الوجيز في كلام الله العزيز» في التفسير، ولم يكمله، و«مراقي العوام إلى معرفة مبادئ الإسلام»، و«خلاصة المراقي إلى مبادئ طاعة الخلاَّق»، و«مجموع أجوبة وفتاوى»، في سفر كبير، و«ثلاث قصائد في مدح الرسول وسيرته» و«رسالة في حرمة التجنيد في الجيش الفرنسي» كتبها لمَّا جنَّدت فرنسا بعض شباب ميزاب بالقوَّة سنة 1337هـ / 1919م بيَّن فيها حرمة هذا التجنيد ومضارَّه، و«رسالة إلى إباضيَّة عمان» وهي عبارة عن ملاحظات على الحركة الإصلاحيَّة، وله شروح وحواشٍ لبعض الكتب الفقهيَّة الإباضيَّة، منها: «حاشية على مسند الربيع»، في الحديث، «حاشية على السؤالات»، لأبي عمرو عثمان السوفي، في العقيدة، و«حاشية على كتاب الإيضاح»، للشيخ عامر بن علي الشماخي في الفقه، وغيرها كثير.
توفِّي رحمه الله يوم السبت 27 ربيع الثاني 1347هـ يوافقه 13 أكتوبر 1928م، وقد كان لوفاته أثر كبير في وادي ميزاب.
رحم الله شيخنا العالم العلامة لَعْلي صالح بن عمر بن داود وأسكنه فسيح جناته ورزق الأمة من يخلفه.
لا يوجد تعليقات