انفراد العلم كمصدر للمعرفة واقع أم خيال ؟
وضع أحد العلماء سؤالاً واحدًا وطرحه على مجموعة من علماء الأحياء والأطباء وعلماء الطبيعة. كان هذا السؤال "ماهي الحياة؟" وعندما تلقى الاجابات وجد أن غالبها كانت حذرة وغير محددة أما أكثر الاجابات وضوحا هي التي تضمنت مصارحة واعترافا بالعجز وقصور العلم الطبيعي عن تفسير الحياة فهل هذا السؤال الوحيد الذي عجز العلم عن تفسيره أم ثمة أسئلة اخرى...
أنا أصدق العلم، لقد أثبت العلم، لا يمكنك أن تجادل العلم ... كم مرة سمعتَ اِحدى هذه الجمل لإقناعك بفكرة أو صدك عن معتقد؟ فهل كانت تقنعك حقا أو تصدك؟ أم كنت تشعر بأن ثمة خطأ ما؟ هل يمتلك العلم السلطة المطلقة التي تكفينا لفهم الحياة؟ هل يمكنه أن يفسر لنا وحده الحقائق الوجودية ومعاني الجمال ومركزيات الأخلاق؟ علامات استفهام كثيرة تحيط بالأمر.
ليس لدينا أمام هذه الاسئلة سوى خيارين أما الأول فهو الاستدلال بشيء خارج عن العلم كالعقل مثلا واولويات المعارف ففي هذه الحالة يكون العلم قد ناقض نفسه وهدم قدرته على معرفة كل الحقائق. أما الخيار الثاني هو أن يعتمد العلم على نفسه في محاولة اثبات أنه الطريق الحصري للوصول إلى الحقيقة ففي هذه الحالة يكون قد وقع في خلل منطقي إذ كيف يستدل على صحة شيء بالشيء نفسه.
أما السؤال الأول وهو قدرة العلم على اِثبات كل شيء فثمة الكثير من الطرق المسدودة التي يعجز العلم عن الدخول فيها فضلا عن تقديم اِجابات منطقية بشأنها مثل القيم و الأخلاق وأسئلة الوجود الكبرى، ليس ذلك فحسب... بل حتى على مستوى الأمور اليومية المتكررة بحيث أنه لا يستطيع أن يقدم لنا كلمة واحدة عن الخير أو الشر أو الجمال أو القبح...
صحيح أن العلم يدعي بعض الاجابات عن ذلك إلاّ أنها أجوبة على قدر من السخف ولا نميل اِلى أخذها مأخذ الجد...
وفي سطر آخر من قصة العلم نجد أن العلم الحديث نفسه ليس نزيها اِلى هذا الحد الذي يصوره أصحابه وأنه عرضة للتلاعب فعلى سبيل المثال قد كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا الأمريكية أن مؤسسة قد دفعت أموالا لثلاثة باحثين في مجال التغذية من جامعة هارفرد من أجل اِخفاء أبحاث تظهر علاقة السكر بأمراض القلب اِذ طلبت المؤسسة من الباحثين اِلقاء اللوم على الدهون بدلا من السكر فيما يتعلق بخطر الاصابة بأمراض القلب وبالفعل نشر هؤلاء الباحثون تقريرا في أحد الدوريات و اخفوا عنه خطر الافراط في تناول السكر على القلب وقد دفع هذا التقرير الكثير من الأمريكيين إلى التخلص من الأطعمة الدهنية في نظامهم الغذائي و اللجوء إلى الوجبات الغنية بالسكر في حين أثبتت الأبحاث أن الِافراط في استهلاك السكريات يمكن ان يكون أكثر تدميرا للصحة... ليست هذه الدراسة هي الفريدة من نوعها فحسب إذ أن المجتمع العلمي مجتمع بشري تسري فيه صفات النقص و الخطأ و التحيز في حين أن افتراض النزاهة التامة للعلم ناتجة عن النظرة الشيوعية لتقديس العلم في حين أن الواقع يخبر عكس ذلك..
ربما يشبه العلم الخريطة بينما تشبه الحياة الأرض الحقيقية. هكذا يشبههما إيرنست فريتز شوماخر، فيرى أن الخريطة رسمة ذات بعد واحد ترصد الطريق لكنها لا تعطيك القدرة على تحمل المسير. هكذا يبدو العلم في سباق المعرفة.
فالأخلاق، الفن، الجمال، التضحية، حاجتنا الدائمة لتطعيم دافعيتنا للحياة، مجالات لا يدركها العلم ولا يعرفها الاِنسان بحواسه فقط، عالم الغيبيات المليء بالأسئلة المجهولة والتي تخرج خارج نطاق العلم هل يسعنا اِنكار وجودها لأنها غير مادية ونكذّب ما نشعر به في هذا الكون؟ أم أن العلمويين عليهم أن يعلموا أن ثمة مصادر أخرى للمعرفة وأن الحياة أكبر من حصرها في الماديات وأن تصديق العلم لا يعني أن العلم صار إله مع الله.
لا يوجد تعليقات